مع دخول التكنولوجيا إلى كل زاوية من حياتنا اليومية، أصبح التعليم الرقمي جزءًا لا يتجزأ من تجربة الطالب. لم يعد الفصل الدراسي مجرد مساحة لمتابعة المعلم، بل منصة رقمية يلتقي فيها الطلاب، يشاركون المحتوى، ويستقبلون المعرفة من خلال الشاشات. ومع هذا التحوّل، تتداخل المعرفة مع العزلة العاطفية. تحذّر الخبيرة التربوية مهى شحادة: هل نحن نعلّم الطلاب أم نغرقهم في تجربة رقمية تفقدهم التفاعل الإنساني؟
هل التكنولوجيا تحل محل العلاقة الإنسانية؟
يشير بعض الطلاب اليوم إلى أن حضور الدروس عبر الإنترنت أكثر راحة من التواجد في الصفوف التقليدية. توفر المنصات الرقمية إمكانية مراجعة الدروس، المشاركة في الأنشطة، والحصول على ردود فورية، لكنها تحجب التجربة الإنسانية: النظرات، الابتسامات، لغة الجسد، وحتى الحوار العاطفي بين الزملاء والمعلمين.
أظهرت دراسة جامعة هارفارد 2024 بعنوان Digital Classrooms and Emotional Engagement أن 68% من الطلاب الذين يعتمدون على التعليم عن بعد يشعرون بعزلة اجتماعية أعلى مقارنة بزملائهم في الصفوف التقليدية، و45% يعانون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم أثناء التعلم.
تساؤل مهى شحادة المركزي: هل يمكن للتعليم الرقمي أن يعوّض عن الدفء العاطفي للصف التقليدي؟ أم أن كل تفاعل عبر الشاشة يقتصر على المعلومات ويهمل البعد الإنساني؟
الفجوة بين المعرفة والنمو الاجتماعي
يظهر تقرير حديث لـUNICEF Education 2025 أن الطلاب الذين يعتمدون بشكل مفرط على التعليم الرقمي يعانون ضعفًا في مهارات التواصل وحل النزاعات والعمل الجماعي. وبينما تنمو قدرتهم على الوصول إلى المعلومات بسرعة، يظل النمو الاجتماعي والعاطفي محدودًا.
توضح مهى شحادة: حتى المعلم يواجه تحديًا كبيرًا؛ كيف يمكن قياس التفاعل العاطفي للطلاب عبر المنصات الرقمية؟ كيف يكتشف من يحتاج إلى دعم نفسي؟ السؤال الأهم: من يتحكم في عملية التعلم، التكنولوجيا أم الإنسان؟
كيف نربّي في عصر الشاشات؟
تحث مهى شحادة على أن يكون التعليم الرقمي أداة، لا غاية:
توفير تفاعل بشري مباشر: حتى في الفصول الرقمية، ينبغي لقاءات حية، حوارات، وأنشطة تعزز التفاعل بين الطلاب.
التربية العاطفية: تعليم الطلاب إدارة الانفعالات، التعبير عن المشاعر، وحل المشكلات ضمن إطار جماعي.
توازن التكنولوجيا والواقع: استخدام المنصات الرقمية للمعرفة، وليس لتعويض التجربة الإنسانية.
العواقب المحتملة لتجاهل البعد العاطفي
تؤكد مهى شحادة أن تجاهل الجانب العاطفي قد يؤدي إلى:
عزلة اجتماعية مبكرة
ضعف القدرة على حل النزاعات والتعاون
فقدان مهارات التعاطف والتواصل الإنساني
هل سنربّي جيلًا قادرًا على التفكير النقدي والتواصل الإنساني، أم جيلًا يعرف كيف يتعامل مع الشاشات لكنه يفتقر إلى القدرة على احتضان الآخرين وفهم مشاعرهم؟
خاتمة
كما تشير مهى شحادة، التعليم الرقمي أداة قوية، لكنه يفتقد الروح البشرية. إذا لم ندمج التفاعل العاطفي مع التعلم الرقمي، سنواجه جيلًا معرفيًا متميزًا، لكنه ضعيف في العلاقات الإنسانية، عاجز عن مواجهة المشاعر، وغير قادر على التعاطف.
السؤال الذي يجب أن يطرح على كل نظام تربوي وأولياء أمور: هل نعلّم الأطفال استخدام التكنولوجيا بحكمة، أم نترك الشاشات تربيهم؟




