محمد رمال الى الأضواء من جديد
يمضي المنشد محمد رمال تأّلقًا في مولوده الجديد: ” يا شعوب الأرض اسمعونا”… يحمل مشعل قضية فلسطين وشعبها ومشعل القضية الكبرى بكل تشعباتها وتداعياتها..
في هذا السياق، اختار المنشد الاسلامي الأول لمولوده أن يطّل على أبواب ذكرى تحرير لبنان ودحر الاحتلال وأن يحاكي بطريقة غير مباشرة الحدث الفلسطيني الأخير وهبّة هذا الشعب الذي أعاد الوهج لقضيته وقضية العرب والمسلمين الأولى..
في هذا العمل، أراد رمال أن يواكب المناسبتين وما فيهما وما بينهما من دون أن تكون بصمته مباشرة ولا أن ينطلق نشيده صخباً وضجيجاً كما يفعل الكثيرون الذين يريدون للحدث أن يكون مناسبة للتلميع والترصيع ومحاولة الحضور الذاتي..
في حين، ذهب رمال في الكلام الشعري الصريح والعفوي صوب اللا تعقيد في مقاربة الحدث لأن ” الحضارة خلقت من عنا”.. وأبطالنا ” علّمونا تاريخ العزة المكتوب” .. هكذا دون مواربة ولا لف ودوران، ولكن في الوقت نفسه بعيداً عن أسلوب الاستغلال الذاتي الذي غالباً ما يُشوّه أي عمل فني عندما تقفز الغاية الشخصية لتتقدم الصالح العام.
من جهة أخرى، كان المنشد محمد رمال في الفترة الأخيرة مقّلاً في نتاجه الفني والإبداعي بلحاظ ما كان يقدمه على مسرح المواكبة الفنية للحدث العربي والاسلامي ولتطورات الجوانب الفنية في تحليق النشيد الملتزم الواعي الذي يقدّم مادة تربوية وأخلاقية مضافة على طبقه الفني، وربما أراد من ذلك ألا يدخل في معمعة هذا التلّون وهذه العشوائية في مقاربة القضايا من الزاوية الفنية، وقد يكون من حقه ذلك وألا يطّل الا بعد الإطمئنان الى المحتوى الشعري الملتزم والرصين والسهل في آن، والى الجوانب الأخرى التي يبتعد فيها الفنان عن الذاتيات في هذه المراحل الصعبة بالذات، خصوصاً وأنه من مؤسسي هذا الحقل، وأن ما يصدر عنه عادة يمشي كالنار في الهشيم ويتتّبعه الآخرون للنسج على منواله.. ولكننا كنا نؤكد عليه دائماً أن يوازن في هذه المسألة الحسّاسة فلا يبتعد عن أصالته التي عهدناه عليها من جهة ولا تكون مسافة الولادة الفنية بين عمل وعمل آخر بعيدة نسبياً لأن للرجل جمهوره ومحبيه ومن ينظر اليه بصفته الرقم الأول في هذا الدرب ومن حق هؤلاء عليه أن يعطيهم من فنه وإبداعه وخصوصاً عندما يشعر هؤلاء بالعطش لأن مياه النبع السلسل لا ترد عليهم بل يراد لهم أن يشربوا من مناهل ليست مناهلهم ولا فيها الماء العذب الذي يروي ظمأهم ويُغذّي العقل والنفس على حد سواء.
اليوم، يعود المنشد الكبير محمد رمال ليتصالح بعض الشيء مع جمهوره الذي ملّ الاستماع لأناشيد ومحطّات لا تحاكي مقامه الحقيقي، ولكنها الرشفة التي نأمل أن تكون المقدمة العمليّة لكي نعبّ جميعا من هذا المعين شعرا وموسيقى وفناً جميلا.. وقبل كل شيء أن يعود هذا الصوت الذهبي ل” كروان الاسلام” ليعبر آفاق قصايانا وأتراحنا وأفراحنا.. لنعود معه الى أنفسنا التي تاهت منا تحت تأثير هذا الضجيج الاجتماعي والسياسي والفني في آن.