الدكتور رائد رطيل: لمواجهة الفساد الطبّي الطبّ التجميلي ليس دكانة ويجب وضع حدّ للمتعدّين على المهنة ٌ
هو طبيب المحتاجين لا بل تراب أحذية الفقراء كما يقول عن نفسه… كيف لا يكون كذلك، وهو الذي يجول بين القرى والبلدات لمعاينة من لا قدرة لهم على زيارته، فتراه صديق الناس الدائم وطبيبهم الوفي في كلّ زمان وكلّ مكان.
ولأنّه طبيبٌ صادقٌ وشفاف تراه مدافعاً شرساً عن المهنة بوجه الفساد الذي لم يسلم منه حتى القطاع الطبّي! فغضبه كبير على منتحلي الصفة والمتعدّين على المهنة، فيما عتبه أكبر على الدولة بمؤسساتها الرسميّة وأجهزتها الرقابيّة التي تتقاعس عن القيام بواجباتها للحفاظ على سمعة لبنان الطبيّة التي لطالما تغنّى بها، الأمر الذي حتّم على الطبيب الشاب العمل على أكثر من جبهة لخدمة المجتمع والمهنة.
فالدكتور رائد رطيل الذي شقّ مسيرته بتعبٍ وجهدٍ وتضحية، لا يمكن له أن يستسلم لواقع بلدنا المرير، فقد قرّر أن يحمل راية محاربة الفساد الطبّي للدفاع عن أسمى وأعرق المهن، رأفةً بهذا الشعب المسكين الذي مرض من كثرة لامسؤوليّة مسؤوليه، إنّه الطبيب البارع والمبدع الأوّل في مجاله بشهادة مرضاه وقاصديه.
أسرة مجلّتنا التقت الدكتور المتميّز رائد رطيل المتخصص في الأنف والأذن والحنجرة وجراحة العنق والوجه، وكان هذا الحوار الذي تطرّق إلى قضايا طبّ التجميل في ضوء فوضى الصالونات وفضائح التشوّهات التي تكاثرت مؤخراً.
وفي ما يلي أبرز ما دار في اللقاء.
¡ في البداية، هل لكم أن توضحوا لنا الروابط بين تخصّصكم والطبّ التجميلي؟
سؤالٌ مهمّ إذ لا بدّ لنا من أن نوضح الصورة العلميّة للرأي العام اللبناني، أنا طبيبٌ متخصصّ في الأنف والأذن والحنجرة وجراحة العنق والوجه. درست في أوكرانيا قبل أن أنتقل إلى فرنسا حيث أنجزت إختصاصي في جامعة «غرينوبل»، من بعدها تابعت دراستي وحصلت على ديبلوم في جراحة تجميل الوجه من جامعة ليون. مع الإشارة أيضاً إلى أن موضوع أطروحتي هو ترميم الشفاه بعد إستئصال الأمراض السرطانية التي تصيبها.
إذن يهمني التوضيح بأنّ عالم الأذن والأنف والحنجرة هو عالمٌ واسعٌ جدّاً، علماً أنّنا كإخصائيين في هذا المجال نُعتبر إلى جانب المتخصصين في مجال الوجه والفكّين أو ما يعرف بـ «Maxillo Facial» أكثر من يعرف تفاصيل الوجه وتركيبته الفيزيولوجيّة، إنّما للأسف الثقافة الطبيّة في لبنان ضعيفة، لذلك لا تعرف الناس أهميّة إختصاصنا ومدى شموليّته. من هنا، فإنّ التجميل بالنسبة لنا هو منطقي وطبيعي بما أن الترميم هو من صلب إختصاصنا، مع تأكيدنا على أننا أكثر الحريصين على الجسم الطبي ومصداقيّته وسمعته.
¡ في الآونة الأخيرة ومع إنتشار ظاهرة العمليّات التجميليّة، إختلط المشهد بين صالونات التجميل والعيادات، فمن يتعدّى على المهنة اليوم؟
في لبنان يبلغ عدد أطبّاء التجميل المرخّص لهم 109 تقريباً، وبالمقابل يوجد حوالي ألف طبيب لا يمتّون للتجميل بِصِلة وهم يمارسون المهنة، فأين هي رخصهم؟!! وهناك 9 إلى 10 أطبّاء متخصصين في «Maxillo Facial» ، ولنكن واضحين في هذه النقطة، إنّ المخوّلين القيام بعمليّات تجميليّة هم أصحاب الإختصاص في المجالات الأربعة التالية: أذن – أنف، حنجرة، جراحة وجه، وعنق، جراحة تجميل، «ماكسيلوفاسيال» وجلد. للأسف توجد اليوم مخالفات وتعديّات كبيرة على المهنة، فالأمور فالتة ولا رقابة جديّة تمارس من قبل وزارة الصحة رغم محاولة الوزير السابق وائل أبو فاعور الذي بذل جهداً يشكر عليه لهذه الناحية. إلّا أن النقابة بدأت تفعّل دورها عبرنا نحن الأطباء من خلال البلاغات التي نقدّمها على أمل أن يُصار الى تفعيل دور الأجهزة الرقابيّة الرسميّة نظراً للخطورة المترتبة عن هذا الواقع.
¡ ما هو العامل الذي يدفع المريض ليقصد الدكتور رائد بالذات؟
يقصدني من يحبّني ومن يثق بقدراتي، فالثقة تبقى العامل الأهم بالنسبة لنا ولمن يقصدنا. أنا أستقبل رجالاً ونساءً، مع الإشارة إلى ان أعداد الرجال في تزايد مستمرّ فهم يبدون إهتماماً بتخفيف تجاعيد الوجه وأشياء بسيطة مماثلة.
¡ من ينافسكم اليوم وفي أي مرتبة تضعون نفسكم؟
ليس هناك من منافسات في الطبّ التجميلي، هناك تقنيّة ومستوى في العمل يقدّمه الأطباء بدقّة وإحتراف، إنّما بالتأكيد يوجد مستوى متدني تقدّمه صالونات التجميل ولا ضرورة للكلام عن الأخطاء الفادحة والكارثيّة التي ترتكب في هذا المجال، فمن يصنفنّ أنفسهنّ على أنهنّ خبيرات تجميل ويسمحن لأنفسهن بإجراء عمليّات، هؤلاء هنّ المتعديات على المهنة. فالطبّ ليس دكانة، ذلك أنّه حتى عند الأطباء حيث التجهيزات الطبيّة مكتملة قد تحصل مضافعات مفاجئة. فنحن نتحدث هنا عن خطورة وتشويه بفعل تدني الأسعار لديهم اضافة إلى إستخدامهم لمواد مزوّرة. من هنا التشديد على عامل الثقة، لكن للأسف الأمور في لبنان خرجت عن السيطرة وباتت عشوائية لدرجة أنني أخذت على عاتقي مهمّة محاربة الفساد الطبّي.
¡ هل يواكب الدكتور رائد التقنيات الطبيّة الحديثة؟ وما أهميّة المتابعة المستمرّة؟
إنّ متابعة التطوّر التكنولوجي والتقنيات الحديثة أمرٌ ضروري للإستمرار بالمهنة. فهناك أبحاث وإكتشافات يوميّة، ومن ناحيتي أسافر بصورة مستمرة لحضور مؤتمرات وندوات ودورات للوقوف على آخر التقنيات.
¡ هل تنصحون بالعمليّات التجميليّة؟
من ناحيتي أفضل ترك العمليّات الجراحيّة كخيارٍ أخير، بحيث ألجأ إلى إستخدام كافة أساليب المعالجة التي يتيحها الطبّ التجميلي قبل إتخاذ قرار إجراء عمليّة جراجيّة. فنحن نعمل بضمير ونحترم المهنة وآدابها وهذا ما يكسبنا ثقة الناس.
¡ هل ترضخون لتمنيّات ورغبات السيّدات رغم أنها قد لا تكون مناسبة من الناحية الطبية أو المظهرية؟
في الحقيقة أنا أحاول أن أشرح للسيّدة كافة النواحي، واذا ما أصرّت على موقفها أعتذر منها لأن إسمي يكون على المحكّ. فالتجميل في نهاية المطاف هو فنّ النحت وبالتالي يجب الحفاظ على المعايير الجماليّة الأساسيّة.
¡ معروفٌ عنك أنك طبيب الفقراء، هل لأنكم تعتبرون مهنتكم رسالة أم هي طبيعتكم الإنسانية؟
إن طبيعتي الإنسانيّة هي التي جعلتني طبيباً بالفطرة، فأنا ترعرعت وسط بيئة تحبّ المساعدة على إعتبار أن يد الوالد كانت ممدودة للجيمع بحيث كان يساعد من دون أن يسأل، وأنا مثله تماماً لا أحب كسر خاطر الناس، فأعطي من قلبي من دون تمييز طائفي او مذهبي.
فقد كنت أحمل حقيبتي المليئة بالمعدّات الطبيّة وأتنقّل بين بلدات الجنوب وصولاً إلى الكحالة وراشيا، حيث أعاين المرضى ميدانياً بالتعاون مع البلديّات والأحزاب، فأنا أؤمن بأنّه لا يجوز ترك اي فقير من دون مساعدة، كما أنني أساهم على المستوى الشخصي بحملات جمع تبرّعات لأغراض طبيّة تتعلق بإجراء علميّات طارئة للقلب وغيرها.
¡ هل من كلمة ختامية؟
في النهاية لا بدّ من التأكيد على أن الأخلاق الحميدة هي صفة الأنسان الدائمة. فالطبّ هو رسالة إنسانيّة قبل أن يكون مهنة تجاريّة، ويجب حصول نوع من التضامن الإنساني بين الجميع لخدمة المجتمع لا سيّما بظلّ هذه الظروف التي نعيشها، مع التأكيد أيضاً على أن مهنة الطب يجب أن تكون محمية حتى نحافظ على سمعة القطاع في لبنان والمنطقة.